تسجيل الخروج

هل تريد حقاً تسجيل الخروج؟

الصفحة الرئيسية > قائمة الأخبار > سبوت : حِب نِفر.. الأعياد من مصر القديمة للعصر الإسلامي
source icon

سبوت

.

حِب نِفر.. الأعياد من مصر القديمة للعصر الإسلامي

كتب:ياسر علي

عيد الفطر أحد أهم الأعياد الإسلامية، وله تقاليد احتفالية مميزة تختلف من بلد عربي لآخر، ولكن ما يميز مصر عن غيرها من بلدان العالم أنها عرفت الأعياد وقدّستها منذ القدم، وعرفت المظاهر الاحتفالية والطقوس المتنوعة إحياءً لها في مختلف العصور، وفي هذا التقرير نصحبكم في جولة تاريخية نتعرف خلالها على مظاهر الاحتفال بالأعياد في مصر، من عيد الفطر وصولا لأعياد مصر القديمة.

عيد الفطر في مصر
""وتحتضن مصر تقاليد احتفالية مميزة بعيد الفطر تعبر عن الفرح والتضامن الاجتماعي، وهناك العديد من المظاهر للاحتفال بالعيد منذ العصور الإسلامية المُتعاقبة، مثل صلاة العيد التي تُعَد من أبرز مظاهر الاحتفال، حيث تستقبل المساجد المصلين منذ الصباح الباكر لأداء صلاة العيد التي تتميز بأجواء روحانية، وتلاوة القرآن والدعاء،  وكانت تُؤدّى صلاة العيد في المصليات الكبيرة والحصرية في المدن المصرية، حيث كان يحتشد المسلمون من مختلف الطبقات الاجتماعية لأداء الصلاة المشتركة، وبعد صلاة العيد، كان يلقي الخطيب خطبة تناول فيها قيم العيد وأهميته في تعزيز الوحدة والتسامح والسلام في المجتمع، وبعد صلاة العيد، تقام المجالس الدينية في المساجد والمنازل لتلاوة القرآن والمدائح النبوية والتذكير بأهمية العيد في الإسلام"،  هكذا تحدث عالم الآثار الدكتور حسين عبدالبصير مدير متحف مكتبة الإسكندرية، الذي صحبنا في رحلة تاريخية للحديث عن مظاهر الاحتفال بعيد الفطر على مدار التاريخ الإسلامي، وكذا احتفال المصري القديم بالأعياد منذ عصور الدولة المصرية القديمة.

ألوان وأضواء
وعن مباهج استقبال العيد، أضاف عبد البصير، كانت تُزّين الشوارع والأماكن العامة في مصر بألوان مبهجة وأضواء متلألئة قبيل عيد الفطر، وكانت الأسر تقوم بتزيين منازلها بالزهور والسجاد والأعلام والمصابيح الزينة قبيل حلول العيد؛ لإضفاء جو احتفالي على كل المناطق والأحياء والمدن والقرى، وكانت الشوارع والمنازل تُزيّن بالأعلام والشرائط الملونة والأضواء المتلألئة، وكانت الزهور تلعب دورًا بارزًا في الزينة، حيث كانت تُستخدم في تزيين المساجد والمنازل وحتى الشوارع، وكما كانت تحضّر وجبات لذيذة وحلوى تُقدّم للضيوف خلال الاحتفالات.

زيارة الأقارب
بعد أداء صلاة العيد، يتبادل المسلمون التهاني بمناسبة العيد ويزورون بعضهم البعض، وكانت المناسبة تجمع الأسر والأقارب لتبادل التهاني والزيارات، وكانت الأسر تتبادل الهدايا والحلوى، وتقدم الأمنيات بالسعادة والخير لبعضها البعض، وكانت الأسواق، والأسواق الشعبية تشهد نشاطًا كبيرًا قبيل حلول العيد، حيث كان يتم بيع الهدايا والملابس الجديدة والحلوى، ويعد تناول الوجبات الشهية جزءًا أساسيًا من احتفالات عيد الفطر في مصر، وكانت الأسر المصرية تُحضّر مجموعة متنوعة من الأطعمة الشهية والحلويات الخاصة بعيد الفطر، ومن الأطعمة الشهية التي كانت تُقدم في العيد، الفسيخ، والرنجة، والكبدة المشوية، والمأكولات الشرقية الأخرى، بالإضافة إلى الحلويات مثل الكنافة والبسبوسة والبقلاوة وغيرها من الحلويات التقليدية، وكانت الأسر الميسورة تُقدم الهدايا والصدقات للفقراء والمحتاجين قبيل حلول العيد لضمان مشاركتهم في فرحة العيد في هذا الوقت الفضيل؛ لتمكينهم من الاحتفال بالمناسبة بأفضل طريقة ممكنة، وكانت هذه الصدقات تشمل توزيع الطعام والملابس والمال على الأسر المحتاجة، وكانت تُعد الصدقات والتبرعات جزءًا أساسيًا من الاحتفال بعيد الفطر في مصر، وكانت تُقام فعاليات ترفيهية مختلفة في المناطق والساحات العامة والحدائق، مثل الأسواق والمهرجانات والمسابقات الشعبية، وكانت تتضمن العروض الفنية والمسابقات والألعاب، كما كانت تُنظّم المسابقات الدينية والعروض الفنية والموسيقية؛ لإضفاء جو من الفرح والبهجة على الشوارع، وجو من الفرح والسرور على الأطفال والعائلات، وتُعد تلك المظاهر من جوانب الاحتفال بعيد الفطر في مصر في العصور الإسلامية، وتُظهر التنوع والغنى الثقافي في هذا البلد العظيم، وعكست تلك المظاهر، الروح الاجتماعية والروحانية لتلك المناسبة الدينية المهمة.

أعياد مصر القديمة
اهتمت مصر القديمة بالأعياد اهتمامًا لم تسبقها إليه أية حضارة أو ثقافة أخرى قديمة أو حديثة - والحديث ما زال لعبد البصير - ولقد عشق المصريون الحياة وقدسوها بشكل كبير، ولم ينافسهم في ذلك شعب من شعوب العالم كله، فاحتفلوا بالأعياد، وخصصوا لكل ظاهرة منها عيدًا خاصًا بها في حياتهم الأولى، وفي العالم الآخر، حيث كانت أعياد المصريين القدماء كثيرة للغاية، وهو ما ذكره المؤرخ الإغريقي الأشهر هيرودوت، قائلًا، إن المصريين هم الذين اخترعوا الأعياد، وإن مصر هي التي ابتدعت فكرة العيد في العالم أجمع. وكانت الأعياد كثيرة بعضها ارتبط بالتقويم الفلكي والتقويم القمري وعالم السماء والآلهة، وكانت هناك أعياد أخرى دنيوية تضم الأعياد الوطنية والمحلية والموسمية والسياسية والدينية والجنائزية.


حِب نِفر
أوضح مدير متحف آثار الإسكندرية، أن المصري القديم استخدم كلمة "حِب" وتعني "عيد"، وكلمة "حِب نِفر" وتعني "عيدًا سعيدًا"، وكانت الأعياد تُسجل داخل المعابد وصالات الاحتفالات، كما كانت تُكتب على أوراق البردي، وتوضع في مكتبة المعبد "بِر عَنخ" مثل قوائم الأعياد المسجلة في المعابد الملكية من عصر الدولة الحديثة، أما في عصر الدولة القديمة، فكان الاحتفال يتخذ مظهرًا دينيًا؛ حيث تبدأ مظاهر الاحتفال بذبح الذبائح لتقديمها كقرابين للإله، ثم يتم توزيعها على الفقراء، وكان جزء كبير منها يذهب إلى كهنة المعبد وكان يُوزّع بواسطتهم.

عيد رأس السنة
يُعد رأس السنة من أشهر الأعياد في مصر القديمة الذي تستمر مظاهر الاحتفال به إلى الآن، وكان يُستخدم سعف النخيل للاحتفال، حيث اعتبر المصري القديم سعف النخيل الأخضر رمزا  لبداية العام لكونه يعبر عن الحياة المتجددة؛ حيث يخرج من قلب النخلة لاستمرارية نموها، فكانوا يتبركون به ويصنعون منه ضفائر الزينة ويعلقونها على أبواب المنازل ويوزعون ثماره الجافة كصدقة على أرواح موتاهم، إضافة إلى صناعة الكعك والفطائر التي تُعتبر من أقدم العادات والتقاليد التي ظهرت مع الاحتفال بالأعياد في مصر القديمة، خصوصًا عيد رأس السنة، وانتقلت مع الوقت لتكون سمة من سمات الأعياد وكانت الفطائر تُزين بالنقوش والتعاويذ الدينية، وقد اتخذ عيد رأس السنة في عصر الدولة الحديثة طابعًا دنيويًا شعبيا له أفراحه وبهجته الخاصة، وكانت طريقة احتفال المصريين به تبدأ بعمل الكعك، الذي سُمي بالقرص؛ لأنه مرتبط في العقيدة المصرية بقرص الشمس أحد مظاهر الكون المقدسة.

عيد الوادي الجميل
كان "عيد الأوبت"، من بين أهم الأعياد في مصر القديمة، وكان يعرف بعيد الوادي الجميل، وصُوّرت مشاهده على جدران معبد الأقصر، حيث يزور الإله آمون رع رب معابد الكرنك، زوجته الإلهة موت في معبد الأقصر، وكان الملك يقود ذلك الموكب المهيب لتنتقل إليه حيوية وقوة الإله؛ كي يصير صالحًا لحكم البلاد والعباد، وكان يُقام عيد الأوبت أو الوادي الجميل تكريمًا للموتى، حين كان يخرج ثالوث طيبة المكون من الإله آمون، وزوجته الإلهة موت، وابنهما الإله خونسو في قواربهم المقدسة في موكب كبير إلى البر الغربي لزيارة المعابد الجنائزية للملوك الموتى ومقابرهم في جبانة طيبة الغربية، وكان يُقدّم أهالي طيبة القرابين والأضاحي والزهور إلى قوارب الثالوث المقدس، وكانوا يأخذون الزهور المملوءة بعطر الآلهة، وكانوا يضعونها على مقابر أقاربهم تعبيرًا عن احترامهم لهم؛ واعتقادًا منهم أن ذلك يقربهم إلى الإله.

وفاء النيل
عيد وفاء النيل من أشهر الأعياد في مصر القديمة، وأكثرها حبًا وحفاوة وقربًا لقلوب المصريين، ففي الأول من شهر توت من كل عام يحتفل المصريون بعيد وفاء النيل، والذي كانت تتجدد فيه الحقول، ويفيض فيه النيل، ليحقق الرخاء والسعادة في البلاد، وكان المصريون يعتقدون أن تجدد النيل كل عام سببًا في تتجدد كل القوى الكامنة في تمثال الإله عن طريق ملامسة قرص الشمس؛ ولذا عُرف هذا العيد بعيد الاتحاد مع قرص الشمس. كانت تبدأ طقوس ذلك العيد في الفجر، وكانت تُحضر قرابين الأطعمة، ويتقدم موكب حاملي الأطعمة نحو حجرة القرابين، ثم  إلى غرفة تجميع القرابين، ثم يصعد الموكب إلى سطح المعبد، وعند سطح المعبد تُحرق القرابين تقربًا للإله.

عيد اللقاء الجميل
كانت هناك احتفالية كبرى أخرى تُعرف بـ"عيد اللقاء الجميل"، أو "عيد الزواج المقدس"، وكان ينتقل فيها تمثال إلهة الحب والأمومة والجمال والموسيقى، الربة حتحور، كل عام من معبدها في دندرة في موكب عظيم كان يقوده حاكم المدينة؛ لقضاء بعض الوقت مع زوجها الإله حورس في إدفو، وكانت تُبحر حتحور في مركب، وقبل إدفو، كان يقابلها زوجها الإله حورس بصحبة حاكم إدفو ومعه بعض الكهنة، ثم يصحبها إلى إدفو، وبعدها إلى داخل المعبد، وفي الصباح، تبدأ طقوس الاحتفالات، ثم تعود مرة أخرى إلى دندرة. صُورت مناظر ذلك الاحتفال على جدران معبد إدفو، وكان بقاء الربة حتحور في إدفو يمثل فرحًا عظيمًا، وكان الهدف من تلك الطقوس الدينية جلب الفيضان؛ كي يعم الرخاء والنماء في البلاد، وكان التقاء الزوجين يتجدد كل عام بين حتحور وحورس إيذانًا ببدء الخصب والفيضان في البلاد، وكان اتصال الزوجين يرمز إلى الخصوبة.

أعياد متنوعة
العديد من الأعياد في مصر القديمة ارتبطت بالزراعة وغرس الأرض، وكان لكل مدينة أو مجموعة من المدن احتفالاتها الخاصة، مثل سايس في الدلتا، وأبيدوس في الصعيد، وهناك أعياد كانت تقام في هليوبوليس احتفالا بالإله رع، وفي منف كانت تُقام احتفالًا بالإله الخالق بتاح، بالإضافة إلى أعياد أخرى كان يقيمها الملوك احتفالًا بانتهاء بناء المقابر الملكية أو مشروعاتهم الكبرى، أو احتفالًا بنصرهم على الأعداء، كما كانت هناك أعياد خاصة بالموتى، وكانت منتشرة في أرجاء مصر القديمة، وكانت العائلات تحتفل فيها بالذهاب إلى الجبانات، وكانت تحمل الطعام والشراب إلى موتاهم، وهي الأعياد التي ما زالت مظاهرها حاضرة في مصر إلى الآن.

 

هل تريد تفعيل الإشعارات ؟

حتي لا يفوتك أخر الأخبار المصرية والعالمية